ثورتى ضد القيود

الثورة هى ان تكتشف فى كل يوم جديد ان حياتك تحتاج الى التغيير

السبت، أبريل ٠٧، ٢٠٠٧

شكة كانيولا


اول تدوينة لمحمد ... اسفة على التأخير




بالرغم من سنوات دراستى الطويلة بكلية الطب و ماتلاها من فترة امتياز .. و ما ادراك ما الامتياز . . و بعد فترة
تدريب قد مررت بها بكل يمكن ان تتخيله من مواقف صعبة اختلطت بها ذكريات المشرحة و الجثث بذكرياتى عن المرضى و الامهم و معاناتهم ، و لكن رغم كل ذلك الطابع الذى لابد للطبيب ان يكتسبه من دراسته و تدريبه العملى من طابع منعزل شعوريا عن كل ما يراه .. او بالاصح ما يكتسبه ممارس الطب فى مصر من طابع لا انسانى .. يصبح هو مستنزف و بقايا انسان و كرد فعل يصبح بالتالى لا يتعامل مع البشر باعتبارهم بشر بل باعتبارهم مجرد حالات
و رغم انى ككل الاطباء اكتسبت ذلك السمت الا اننى لا استطيع ان انسى ذلك اليوم فى مستشفى منشية البكرى التى كنت اقضى بها فترة تكليفى .. فى ذلك اليوم اثناء تواجدى فى الاستقبال فوجئت بأحد العمال يهرع ليخبرنى بوقوع حادث كبير على بعد اقل من عشر دقائق من المستشفى... بالطبع تم استدعاء كل الاطباء الموجودين بالمستشفى و عند وصول سيارات الاسعاف اخذنا فى التعامل مع 30 مصاب باصابات مختلفة
كان حادث مروع لكن يبدو انه بالفعل يموت فى مصر من حوادث السير ما يقارب من اعداد العراقيين القتلى بعد الغزو الامريكى..و إن كان ذلك الحادث من النوع الذى تعرفه يوميا و انت تقرأ الجرائد فى الصباح و لا تعيره اى قدر من الاهتمام .. و يبدو انك بالطبع لست وحدك الذى لا يعير تلك الحوادث اى اهتمام
و لأنى كنت فى المستشفى اعمل بقسم العظام فلقد كان دورى ينحصر فى التعامل مع الحالات الباردة اى التى تم التأكد من خلوها من اى اصابات خطيرة جراحيا و التى لا توجد خطورة حقيقية على حياتها
و بالرغم من ذلك توجهت لاستقبال الجراحة مدفوعا بالبقية الباقية من شعورى بالام المرضى و التعاطف معهم و الخوف الشديد على حياتهم ... توجهت لكى اعرض مساعداتى .. و لقد افزعنى حقا ما قد رأيته.. حيث قد رأيت مولد و صاحبه غايب..حيث ان الاستقبال كانت تشيع به حالة من الفضوى و يعج بالمرضى و اهلهم و بالطبع الاطباء و التمريض ..و بالرغم من ذلك كان من المفروض ان المسئولية تقع بشكل اساسى على ثلاثة اطباء الطوارئ و مثلهم فى الجراحة العامة و لكن بالرغم من ذلك كان احد اطباء الجراحة فقط هو الوحيد القادر على تأدية عمله بكفاءة .. بينما كان الاخرين جميعهم فى مرحلة التعلم و التجريب فى المرضى .. و هكذا كان لابد من تدخلى بضميرى الصاحى ..اخمده الله .. و بالطبع كان الوضع مأساوى حيث ظهرت بوضوح قلة خبرة الاطباء الجدد و ذهولهم .. اما اطباء الجراحة العامة فقد كان تركيزهم على الحالات التى تبدو انها الاخطر..و بذلك شاع فى المكان حالة من الفضوى اللانهائية

حاولت ان انقل بعض حالات الكسور البسيطة لقسم العظام لكى افسح مكانا لحالات اخطر لأن استقبال المستشفى لا

يتحمل كل ذلك العدد بل و ذلك يفقد الاطباء تركيزهم على الحالات الاكثر اهمية
لكن بالرغم من ذلك فأن كل هذا لا يمكن ان يمنع وقوع الكارثة .. فلقد كان الاطباء يهرعون للحالات التى يشتد صراخها او الحالة المصابة فى مكان ظاهر او حتى التى تغطى بالدماء..بالرغم انه من الاساسيات انه ليس بالضرورة هؤلاء هم الحالات الاكثر خطورة..و بذلك فلقد تعامل الاطباء برد فعل غريزى و يبدو ان ذلك بالطبع راجع الى عدم الخبرة
و هكذا فقد لفت انتباهى امرأة ضخمة تتمدد على تروللى و لا تتألم او تصرخ و ليس بها اى اصابات ظاهرة و بالتالى كان لزاما عليها الانتظار حتى يشعر بوجودها احد
و لكنى عندما اقتربت منها قالت انها لا يمكنها التنفس و فورا طلبت من احدى العاملات ان نأخذها الى غرفة الاشعة و لكن العاملة تلكأت كثيرا فى ذلك .. بل و تركتها فى منتصف تلك العملية التافهة لتقوم بشئ اخر تافه اكثر بكثير .. و فى ذلك الوقت كنت ارى حالة اخرى و عندما ذهبت الى غرفة الاشعة فاجئنى فنى الاشعة بأن المريضة توقفت عن التنفس فجأة فهرع بها الى غرفة العناية المركزة

هرعت لغرفة العناية لاجد طبيب العناية ينظر الى المريضة بيأس و يبدو انه لم يحاول انعاشها لأنه اعتقد انها على تلك الحالة منذ وصولها الى المستشفى .. لأ و نعم المتابعة و الاهتمام و النظام اللى ميخرش الميه ..و عندما اخبرته انها كانت تتكلم قبل اقل من خمس دقائق بدأ يحاول انقاذها و لكن بالطبع ذهب الامل و ذهبت معه
لقد ماتت تلك السيدة التى كان انقاذها لا يتطلب اكثر من شكة كانيولا بين ضلوعها لتفريغ الهواء من الرئة لأنه يضغط على القلب ...ماتت لأن فى بلدنا الطريق للموت فى غاية السرعة .. و لأن فى المستشفيات الحكومية محدودة الامكانيات و الخبرات بين الحياة والموت شكة كانيولا

بعد مراجعتى لسجلات كل الحالات التى قد استقبلتها المستشفى فى ذلك الحادث اكتشفت ان كلهم كانوا من الممكن ان

يذهبوا لبيوتهم و يعودوا فى اليوم التالى لكى نفحص حالاتهم و انهم لم يكونوا حالات طارئة بالمرة .. و لكن الحالة الوحيدة التى كانت تتطلب الاهتمام هى الحالة الوحيدة التى لم يتم الاهتمام بها و هى الحالة الوحيدة التى قد توفت
ليس ذلك هو الغريب و المستفز فى الامر فما الجديد على تلك البلد و لكن الذى يثير الجنون هو ان المستشفى و مديرها قد حصلوا على شهادة تقدير لجهود المدير و العاملين فى استقبال الطوارئ و ادائهم المتميز فى معالجة الحالات ... و يبدو ان وزارة الصحة تتعامل على اساس الكم لا الكيف .. و كله بالميزان يا باشا

لا استطيع ان امنع نفسى من الشعور بالذنب تجاه تلك السيدة كلما فكرت فى ذلك اليوم و اشعر اننى كان من الممكن ان انقذ حياتها لو كان تشخيصى اسرع و لكن ما اشعر به اكثر من الذنب هو الحنق .. فقد شعرت فى ذلك اليوم ان كل من بالمستشفى هم ابطال فى تمثيلية هزلية يمثل بها الاطباء انهم يعالجون و يمثل كل مريض انه الاكثر مرضا و الاكثر حاجة للعلاج بشكل عاجل و بشكل اكثر اهتماما و يمثل مدير المستشفى انه قائد منظومة عظيمة من الانجازات و تمثل وزارة الصحة انها وزارة و ان بالبلد اصلا صحة

3 Comments:

  • At ٩:٤١ ص, Anonymous غير معرف said…

    الذنب مش ذنبك يعني انت كنت هتعمل ايه اكتر من اللي عملته وكمان انت لوحدك كنت هتعمل ايه في مؤسسة فاسدة بالشكل ده ومنظومه كلها علي بعضها خربانه ومنيله
    هذه هي مصر الان

     
  • At ١١:٣٣ ص, Anonymous غير معرف said…

    "فقد شعرت فى ذلك اليوم ان كل من بالمستشفى هم ابطال فى تمثيلية هزلية يمثل بها الاطباء انهم يعالجون و يمثل كل مريض انه الاكثر مرضا و الاكثر حاجة للعلاج بشكل عاجل و بشكل اكثر اهتماما و يمثل مدير المستشفى انه قائد منظومة عظيمة من الانجازات و تمثل وزارة الصحة انها وزارة و ان بالبلد اصلا صحة " لا أدري لماذا ذكرتني هذه العبارة بأحد فصول مسرحية الملك هو الملك عندما أعلن سعد الله ونوس على لسان أبطاله أن الكل في عالمنا الزائف يرتدون أقنعة، المك يرتدي قناع الحكم بينما هو في الأصل ليس أكثر من مجرد حامل للتاج والصولجان، ولو وضع أي شخص أخر مكانه وحمل هذا الصولجان وذاك التاج لصار ملكاً يحابي مصالح الأغنياء على مصالح الفقراء ويقمع شعباً بأكمله بحجة الحفاظ على مصالح البلاد، المشكلة أننا كلنا مضطرون لأن نمثل أدواراً وهمية في مسرحية سوداوية، فأنت مضطر كل يوم لأن تلعب دور الطبيب الذي يكشف على مرضاه ويصف لهم علاجاً يعلم جيداً أنهم لن يتمكنوا من صرفه من صيدلية العلاج المجاني وسيضطرون لشراءه من الصيدليات الخارجيةو قد لا يتمكنون من ذلك بسبب ارتفاع ثمنه، فيعودوا إليك فتكتب لهم دواءً أرخص قليلاً ولكنه أقل كثيراً في المفعول، ومع ذلك أنت مجبر على الاستمرار في هذه المسرحية السوداء، كما نمثل نحن في كلية الهندسة أننا مهندسون على حق، ويطلب منا الدكتور تقارير يعلم جيداً أننا لن نكتبها وإنما سننقلها من أوراق المعيدين كما أننا نعلم أن امتحان الشفوي مجرد إجراء صوري يجب على الدكتور عمله حتي يقبض مكافأة الامتحانات كاملة ويجب علينا أن نحضره لنرضي الاستاذ، رغم علمنا أن الدرجات الحقيقية لأعمال السنة يضعها الدكتور بمعرفته وبشكل شبه متساوي لكل الطلبة، عالمنا عالم زائف يادكتور بناه شيطان لاهي.

    مصطفى

     
  • At ٢:٥٩ م, Blogger Simsima said…

    عادة ما يكون للأطباء أنوف حادة ونظارات زجاجية تثبت المسافة بينهم وبين الألم. .عادة ما يترك الأقارب ورودا علي مداخل الحجرات طالبين الصفح من موتاهم القادمين . .

     

إرسال تعليق

<< Home