ثورتى ضد القيود

الثورة هى ان تكتشف فى كل يوم جديد ان حياتك تحتاج الى التغيير

السبت، أكتوبر ٢٢، ٢٠١١

خمر الذكريات


ظل سر حقيبتى يؤرقنى ، إنها فارغة تماما و لكن على الرغم من ذلك لاتزال ثقيلة ، انتفاخها و ثقلها يؤكدان انها تحمل الكثير، و لكن من الجلى للناظر انها فارغة . ظل ذلك الامر يشوشنى وقتا طويلا ، حى اكتشفت سرها ، قد عبرت اشيائى من ذلك الممر السرى ،عبرت من تلك البطانة المثقوبة الى قلب الحقيبة و قبعت هناك فى طمأنينة طوال عدة سنوات ، مددت يدى لافحص ما دلف الى الداخل دون استمارة عبور ، فوجدتك هناك تقبع فى تؤدة و هدوء متأكدا انك ستظل الى جوارى ، طويلة هى الساعات التى امضيتها الى جوارك و لكن يفوقها طولا التى بددتها فى محاولات فاشلة لنسيانك ، كنت كلما اعبر برزخا لاهرب منك اجدك تأتى الى ذات الضفة دون قصد لأفهم ان قتالى لنسيانك ذهب سدى ، تفعلها دون ان تعلم انك دوما تفعلها و تفعلها دون جهد و بمنتهى البساطة .

فعلتها ثانية الان حينما وجدتك فى حقيبتى ، وجدت اشياءاً تخصك تحمل ذكريات تقفز بمهارة من صندوقا سحرى ، عاهدت نفسى مرارا الا افتحه ثانية ، قلماٌ كنت تكتب به و دسسته معى دون ان تدرى ، ميدالية جلدية منحتنى اياها بعد ان ضاعت منك و عثرت انا عليها بمحض الصدفة ، اقلاماٌ رصاص حففتها بسكينا حتى استحال ان تكتب بها من جديد ، قصاصات ملونة تحمل عطرك و بعض الافكار المموهة عن حياة مضت ، و وجدت تلك الورقة المطوية التى قد خططت بها بخطاً شديد الصغر " كلما تذكرتنى اعلمى يقينا اننى اتذكرك" ، ترى هل كنت تعنيها ام انك كتبتها هكذا دون قصد بعفويتك المعتادة ، تلك العفوية المبطنة بالكثير من الاهمال و التى تنضح بتهكم شرير يخز فى القلب كفعل السير على الاشواك عارية القدمين ، ياله من تشبيه قديم و لكنه يظل دوما الامثل ، ترى لماذا لا يرفض من يسير على الشوك ذلك الطريق الموجع ، هل كانت نزعة مازوخية كما ادعى هو ان تكون ، ام كانت حبا حقيقيا يغمرنى لا استطيع منه الفكاك ، يدمرنى و لكن ذلك جزءا من طبيعته ، يوجعنى و ربما هذا سر شهوتى له ، كان امرا محيرا و فى الحقيقة شعرت ان عفويته المبطنة بالاهمال و تهكمه الشرير يشبهان كثيرا تلك البطانة المثقوبة لابد ان تعبرهما فى البداية لتصل الى قلب الاشياء ، و كان يقينى الداخلى يؤكد ان ذلك كله كان حاجزا دفاعيا لا اكثر ، و لكننى حينما رحلت لم اهتم بواقع الاشياء و جل ما شغلنى هو وقعها ، فلم افكر ان هناك كثيرا من الامل فقد اوجعنى طغيانا من الالم .

رحلت عنك دون حفل وداع ، ما اثقل النهايات على من ينسى دائما سر البدايات ، و انا دائما تشغلنى النهايات و اظل اعيدها فى مخيلتى عشرات المرات ، ولذلك قررت ان احذف ذلك المشهد بمقص رقيب بارع ،سأ رحل دون ان اخبرك انى رحلت ، و هكذا مرت السنوات دون ان تدرك كونى رحلت و دون ان ادرك انى اخترت الرحيل .

منذ ذلك الحين ظللت افرغ حقيبتى باستمرار و لكنها تظل ثقيلة و لا افهم السر حتى وجدتك تقبع بداخلها ، اقرأ تلك الورقة عشرات المرات كى اتأكد ان ما يحدث ليس محض خيال . احللها ...ترى هل انت تتذكرنى الان طالما بدورى تذكرتك، عاودتنى تلك الرغبة المحمومة فى ان احدثك ، شهوة الحديث معك التى كانت لا تنطفئ ، وشهوة القبلات تسبقه و تليه ، لمسات محمومة تدلف الى الجسد فى وحشية ، نبيذا كنا نرشفه على مهل و اغنيات تظل تذكرنى بك ، صوت ريما خشيش تغنى " واذا الخمر العتيق ما بيرويك خمر الحكى شو راح يعمل معك " .

ترى لماذا يعيد الزمن دورته الجنونية لنعلق بها عاجزين عن المرور من ذلك السرداب الضيق الذى لابد ان يفضى الى عالم اكثر رحابة. تشوشت افكارى و اضطربت وانا امرر تلك العلاقة على مهل فى مخيلتى كحكاء يروى ملحمة شعبية لا تنتهى ولا تموت حتى بموته ، وظللت اتعجب من حقيبتى التى قد حملتك بها كل تلك السنوات ، امسكت بالحقيبة و اعدت اشيائك ثانية الى بطانة الحقيبة ، ترددت قليلا و ايقنت اننى لابد ان احسم امرى فأحضرت خيطا و حكت خياطة البطانة مرة اخرى بإتقان .